[size=24]العشاء الرباني
تؤمن الكنائس المسيحية عامة بسر العشاء
الرباني، وتسميه بأسماء كثيرة منها (الأفخارستيا) أي الشكر و (الليتورجيا)
أي الخدمة، وتختلف في فاعليته.
وتستند المسيحية في إقرار هذه
الشريعة إلى العشاء الذي تناوله المسيح مع تلاميذه قبيل حادثة الصلب، فقد
قال لهم وهو يناولهم الخبز: "هذا هو جسدي"، ولما ناولهم الخمر قال: "هذا هو
دمي" (مرقس 14/22-24).
ويذكر يوحنا أن المسيح قال
لتلاميذه في مطلع خدمته: " من يأكل هذا الخبز النازل من السماء لا يموت،
أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء: والخبز الذي أعطيه هو جسدي: الحق
الحق أقول لكم: إن كنتم لا تأكلون جسد ابن الإنسان ولا تشربون دمه، فلن
تكون فيكم الحياة، ولكن من أكل جسدي وشرب دمي فله الحياة الأبدية…" (يوحنا
6/50-54).
وزعموا أن المسيح أمر بتجديد العشاء وفعله، فقال: " هذا هو جسدي الذي يبذل من أجلكم، اعملوا هذا لذكري " ( لوقا 22/20).
ويجدر هنا التنبيه إلى أن قصة تجديد العشاء الأخير على أهميتها لم
يذكرها يوحنا التلميذ في إنجيله، وأن ما جاء في (يوحنا 6/50-54) لا علاقة
له بالعشاء الرباني، بل هو جزء من عظة قديمة للمسيح.
وأما أمر
التجديد في لوقا "اعملوا هذا لذكري" مدسوس على الإنجيل، وقد حذفته نسخة
الرهبانية اليسوعية وكذلك النسخة القياسية المراجعة النص من نسختها،
واعتبرتاه نصاً دخيلاً.
ويقول المفسر جورج كيرد في تفسيره لإنجيل
لوقا (236):" إن قصة العشاء الأخير في لوقا تعتبر كابوساً, فهي تثير مشاكل
في أغلب مواضيع دراسة العهد الجديد, كما أنها أعطت الأساس لطوفان من
النظريات المتصارعة .. ويبدو أن النصين 19 و 20 قد أخذا مما جاء في مرقس
(14/24) و (كورنثوس (1) 11/24-25) ثم أدخلا إلى النص في عهد مبكر على يد
كاتب اعتقد أن قصة لوقا خاطئة، إن الفقرة أدخلت في زمن مبكر، وقد اقتبسها
أحد الكتبة من (مرقس 14/24) و (كورنثوس (1) 11/24-25)" ([1]).
وقد
اختلفت الكنائس المسيحية في فاعلية العشاء الرباني، فالكنائس الإنجيلية
ترفض مبدأ الاستحالة إلى جسد ودم المسيح من خلال الخبر والخمر، واعتبر
المصلح زونجلي ممارسة طقوس الأفخارستيا مجرد تذكار لموت المسيح، وأما
المصلح كالفن فيرى أن حضور المسيح في الخبز والخمر حضور روحي فحسب، وزعم
اللوثريون أن المسيح يحضر هذا العشاء بطريقة سرية، وقال لوثر بحضور حقيقي
للمسيح، وهو قريب مما يقوله الكاثوليك.
وأما سائر الكنائس
الكاثوليكية والأرثوذكسية فتقول بالاستحالة "فالشخص المشترك يتناول أو
بالمعنى الأصح يأكل بطريقة فعلية وحقيقية جسد المسيح في شكل الخبز والخمر"
([2]).
وقد كان من أوائل من أصّلها باسخاسيوس في منتصف القرن التاسع
في كتابه "جسد الرب ودمه"، وقد أقرها المجمع اللاتراني برئاسة البابا
إنوسنت الثالث عام 1215م ، كما أقرتها الكنائس الأرثوذكسية صراحة بعد ظهور
الإصلاحيين في القرن السادس عشر الميلادي.
وذكر المحققون من البرتستانت أن هذه الفكرة المناقضة للعقل والحس مبتدعة لا تجد لها أثراً عند الآباء الأقدمين ([3]).
وتنبه المحققون إلى مصدر هذه الفكرة الغريبة، فهي وثنية المنشأ، صنعتها
العديد من الأمم الوثنية، ومنهم الفرس الذين اعتقدوا أن متراس يمنح البركة
للخبز والخمر في العشاء.
وكما كان عُباد يونيشس وأتيس يجتمعون في
عيد الحب في مساء أحد السبوت صنع النصارى أيضاً، حيث كان العشاء ينتهي
بقراءة فقرات الكتاب المقدس، وفي آخر الطقوس قبلة الحب بين الرجال والنساء.
وقد ندد القديس ترتليانوس بهذه العادة القبيحة، واعتبرها موصلة للإباحة الجنسية ([4]).
ونختم بقول فيلسيان شالي: "وما التآخي إلا صورة عن المشاركة ذات الأصل
الطوطمي، مشاركة الناس في لحم الكائن المقدس ودمه، وكانت تتم بالخبز في
أيلوزيس، وبالخمر لدى المؤمنين بديونيزوس، وبالخبز والخمرة والماء في
الميثرائية"([5]).
[/size]